المشروع السياسي لحركات الإسلام السياسي: عناصره، قضاياه، أطروحاته
د. جمال نصار/ مصر
تشير الورقة إلى مجموعةٍ من العوامل التي جعلت المشروع السياسي للإخوان المسلمين يظهر على الشكل الذي جاء عليه في أدبياتها المختلفة، وهي: الظروف التي كانت قائمةً في ذلك الوقت على مستوى عموم الأمة العربيَّة والإسلاميَّة، من تخلُّفٍ حضاري وعلمي واقتصادي وعسكري، إضافة إلى وقوع أجزاء كبيرة من العالم العربي والإسلامي تحت نير الاستعمار الغربي المباشر، وانهيار دولة الخلافة الإسلاميَّة في العام 1924م وهذا ما أنشأ مشروع الدولة الإسلاميَّة لدى الإمام البنا، وغياب تطبيق الشريعة الإسلاميَّة، وحالة الفساد السياسي والتي من بين مظاهرها قابليَّة القوى الحاكمة والسياسية الموجودة للاستقطاب من جانب المشروع الإمبريالي العالمي.
وقد انشغل الإمام حسن البنا في كثير من أدبياته بالحديث عن قضيَّة الدولة والسياسة في الإسلام، مع محاولة نزع الشوائب الموجودة في الفهم والعمل السياسيَّيْن في العصر الحديث، مع تقديم نموذج مخالِف لما يمكن أن نسميَه بـ”العمل السياسي الأخلاقي” أو “أخلاقيات العمل السياسي” بعيداً عن الحزبيَّة والطائفيَّة، وكذلك كيفيَّة تعاملها مع مجموعة من القضايا الإشكاليَّة التي لم ينجح عبْر التاريخ في التعامل معها سوى الحكم الإسلامي، وفشلت الأنظمةُ الأخرى العلمانيَّة والدينيَّة في تقديم الحلول الناجحة لها، ومن بين ذلك كيفيَّة التعامل مع الأقليات الدينيَّة والعرقيَّة في الدولة الإسلاميَّة، وقضيَّة المواطنة، وقضايا أخرى مثل صلاحيات واستقلاليَّة السلطات المختلفة داخل الدول.
ومن ضمن عناصر قوة الدولة كما حددها الإمام البنا: وحدة القيادة السياسيَّة، اتباع النظام الاجتماعي القرآني، اللامركزيَّة في الحكم - بيت المال والجيش وإدارة شئون الولايات... ألخ-، الابتعاد عن سيطرة السلطات الدينيَّة على العمل السياسي وعلى الجانب الروحي من حياة البشر، الابتكار الحضاري الذاتي بجانب النقل والتطوير عن الحضارات الأخرى، الالتزام الإيماني.
وقد حدّد البنّا القواعد الرَّئيسة لنظام الحكم الإسلامي بأنها: مسئووليَّة الحاكم، واحترام إرادة الأمة، والمحافظة على وحدة هذه الأمة، على أنْ يكون نظام الحكم الإسلامي نظاماً نيابيّاً يقوم على الشورى والانتخاب والتداول السلمي للسلطة، والحفاظ على المصلحة العام للأمَّة. واعتمدت رؤية الإخوان المسلمين للدولة - كما تظهر في برنامج حزب الحرية والعدالة- على أسس مهمة وهي أنها دولة مدنية دستورية تقوم على مبدأ المواطنة ومبدأ الشورى (الديمقراطية)، أما أبرز قضايا وأطروحات المشروع فهي: ضمان الحرية لجميع المواطنين، والمساواة وتكافؤ الفرص، والتعددية السياسية، والشراكة بين الدولة ومنظمات المجتمع الأهلى، وحياد جهاز الإدارة العامة، ولا مركزية الحكم المحلي، وحرية تداول البيانات والمعلومات، والمساءلة والمحاسبة، والانتخابات الحرة النزيهة.
أما على صعيد الممارسة وبدراسة تجربة الحكم في مصر فلعل من أهم الأمور التي ساعدت على إخفاق التجربة في فترة وجيزة عدة أمور منها: سوء اختيار القيادات في المواقع المختلفة للدولة، وعدم وضوح الرؤية في التعامل مع القوى السياسية الأخرى، والصدام المبكر مع مؤسسات الدولة دون الاستعداد لذلك، وعدم الوصول إلي مطالب وطموحات الجماهير وإبعاد عموم الشعب المصري عن معرفة التحديات التي تواجه الدولة، وعدم الاستفادة من طاقات الشباب الثوري في التعاطي مع مؤسسات الدولة والتعمّد في بعض الأحيان إبعادهم وتهميشهم مما أحدث خللاً بين الإخوان والثوريين، والتعامل مع التحديات الخارجية للدولة المصرية دون المستوى المطلوب.