فرص حركات الإسلام السياسي وآفاق المستقبل في ضوء واقع الثورات والحراكات الإصلاحية العربية- النموذج المغربي

د. أبو زيد المقرئ الإدريسي/ المغرب

تعرض الورقة تطور الحركة الإسلامية بالمغرب من الراديكالية والسرية والنزعة الصدامية إلى الاعتدال والعلنية والانفتاح على المجتمع ثم المشاركة السياسية واعتماد نظام التخصصات التي أصبحت موازية للتنظيم العام، والارتكاز على هدف "إقامة الدين" في مختلف المجالات عوض التمحور حول الهدف التقليدي "إقامة الدولة".

وتشير الورقة إلى أن النموذج الإصلاحي المغربي، تحقق انطلاقا من التقاء الإرادة الملكية والإرادة الشعبية بصيغة الإصلاح مع المحافظة على الاستقرار، بالإضافة إلى اعتماد منهجية حكيمة في إعداد الدستور وإقراره، زاوجت بين توسيع الاستشارة الشعبية من جهة، واعتماد الآلية السياسية لاستيعاب مخرجات الدينامية السياسية من جهة ثانية، وانتهى المسار بإقرار الوثيقة التي تنظم قواعد الممارسة السياسية، وتعيد تركيب العلاقة بين السلط، وتوجت بانتخابات نزيهة لم تكن محل طعن سياسي من أي طرف، وكانت المؤسسة الملكية أول من قدم النموذج في التزام النص الدستوري والتعامل بإيجابية مع ما أفرزته نتائج الاقتراع، وهكذا تم إنقاذ البلاد من مخاطر الانفجار الثوري وإقرار الاستقرار المبني على مطلب الإصلاح العميق الهادف إلى دمقرطة الدولة والمجتمع ومأسسة القرار السياسي العمومي وبناء سياسات عمومية قائمة على التوزيع العادل للثورات بين المناطق والفئات والطبقات، وهذا ما يسعى إلى تنفيذه المرن والمتدرج الإسلاميون في الحكم.

إن انتقال حزب العدالة والتنمية من موقع المعارضة إلى موقع المشاركة في الحكم يطرح تحديات معقدة ومركبة لها أبعاد ومستويات متعددة، أولها أننا بصدد صلاحيات تدبيرية محدودة داخل الحكومة، إضافة إلى النسق التحكمي الخفي المنغرس في مجالات إعلامية واقتصادية وثقافية وإدارية وفي بعض مراكز النفوذ السياسي، واختبار قدرة الحالة المغربية في اجتراح خيارها الإصلاحي باستقلال وتفرد عن باقي النماذج المطروحة، وفي مدى الموازنة بين مطلبي الإصلاح والاستقرار، بالإضافة إلى القدرة على كسب التحدي الاقتصادي الاجتماعي عبر مكافحة الفساد واقتصاد الريع وبناء تنمية مندمجة وشاملة وفاعلة ومؤثرة في حياة المواطنين وقادرة على حل مشاكل التهميش الاجتماعي والفقر والبطالة، وهذا الأمر مرتبط بتحديات مدى القدرة على تجذير الإصلاحات السياسية والتنزيل الديمقراطي للدستور، وتفكيك البنيات التسلطية وإنهاء السياسات التحكمية القائمة على زواج السلطة بالثروة.

ويمكن رصد أهم المحددات المؤثرة في مسار تجربة الإسلاميين المغاربة في الحكم، في المحاور الآتية: القوى المضادة للإصلاح والدولة العميقة، ومستوى تعقد ودموية التغيير في سوريا، ومدى نجاح الانقلاب العسكري في مصر، وممانعة المحيط الإقليمي وانتعاش الثورة المضادة في دول الربيع العربي، وحجم تدخل الفاعل الخارجي، ومدى نجاح تجارب الإسلاميين في المنطقة، وطبيعة السلوك السياسي للفاعل الحزبي وقدرته على بناء الكتلة الديمقراطية الجامعة، وحجم الإنجاز التنموي والقدرة على تجذير الشرعية الديمقراطية الضامن للحرية والكرامة، ومدى استمرارية الأفق الإصلاحي للملكية وامتدادته، ومدى استمرار التوافق وتلاقي الإرادة الإصلاحية بين مختلف الشركاء.

وتضع الورقة ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الانتقال الديمقراطي في المغرب: تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي يرسى قواعد نظام سياسي مفتوح وديمقراطية تداولية وعدالة اجتماعية وقضاء مستقل ونزيه، أو الانتقال نحو ديمقراطية هشة قابلة للانفجار، بدون قواعد واضحة ومؤسسات متجذرة، أو حدوث انتكاسة ديمقراطية ترتكز على تمييع المشهد السياسي استنادا إلى فاعلين حزبيين أو على انتعاش القوى المضادة والحزب السلطوي، وقد يتجلى ذلك في شكل انقلاب ناعم على حكومة الإسلاميين عن طريق أدوات الحصار والإفشال.