كلمة الأستاذ طاهر المصري

بسم الله الرحمن الرحيم

، الحضور الكرام .... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يطيب لي ابتداء ، أن أتقدم من الأخ الأستاذ جواد الحمد ، مدير عام مركز دراسات الشرق الأوسط ، وزملائه ، بتحية الاحترام والتقدير ، على هذه المبادرة ، بعقد مؤتمر حول حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي ، لاسيما في هذا الوقت بالذات ، حيث تتعدد التحديات في عالمنا العربي ، وتتشعب الآراء والاجتهادات ، حول واقع هذه الحركات ، بشكل خاص ، ، ،

إن قناعتي راسخة ، بأن الإسلام هو الإسلام ، بكل تعابيره السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وما يندرج دون ذلك هو تفاصيل . بمعنى أن الحديث عن إسلام سياسي وآخر غير سياسي ، حديث لا يستقيم أبداً . والأصح في تقديري ، هو أن نتحدث عن مفهوم السياسة في الإسلام ، تماماً كما نتحدث عن مفهوم الاقتصاد في الإسلام . وهكذا ، حتى ننطلق من قاعدة سليمة للحوار . وبالتالي فإن جميع من نسميها حركات الإسلام السياسي ، هي حركات تنادي باقامـــــــــة الدولة الإسلامية الشاملة ، كلٌ وفق رؤاهـــــــــا واجتهادتهاوفهمها للإسلام . وهذا التشتت في الرؤى والمفاهيم وأنماط التفكير ، هو " أس المشكلة ، وسبب الضياع ، والضحية إن جاز التعبير . وفي كل الحالات ، هي صورة الإسلام في عيون الغير . ومن هنا ستكون كلمتي في سياق الأصول وأصل الموضوع ، بمعزل عن دور تلك الحركات ومدى نجاحها أو فشلها.ولن أخوض في التفاصيل ، فالمتحدثون الكرام ، سيثرون النقاش فيه حتماً . لكنني أطرح تساؤلاً ، ربما كان مشروعاً ، عن مدى أحقيتنا نحن المسلمين ، في أن نختلف على الإسلام ، وهو دين الله سبحانه ، وللبشرية كافة ، ودستوره هو القرآن الكريم ، والله جلَّ في عُلاه ، يقول في مُحكـــــــم كتابه العزيز . (إنَّا نحن نزلنا الذكر ، وإنَّا له لحافظون ) .... فكيف نختلف إذن ، ونصبُح شيعاً وحركاتْ ، تتباين بينها الآراء في أمر واحد ، لا مجال فيه لْخلافٍ أو إختلافْ .

يمكنني القول أن الإسلام دين ودولة في إطار معطيات الزمان والمكان ، والقدرة على الاعتماد على الذات وعلى التعايش مع المتغيرات . وكذلك يعتمد على مقدرته على إحتواء المتغيرات والاستفادة منها . وهنا يجب أن يفصل مفهوم الاجتهاد وان تكون المرجعيات الدينية معرفة ومنضبطة ومستقلة ، يبقى السؤال عن مضمون تلك الدولة ، ومدى تأثره بالزمان والمكان والظروف ونمط الحياة السائد ، وغير ذلك من العوامل المتصلة بالعالم الآخر المحيط بتلك الدولة ، ثم يتصاعد السؤال عن مدى قدرة حركة ما هنا أو هناك ، على فرض إقامة الدولة الإسلامية ، بين عشية وضُحاها ، وسط عالم قَاَتلَ طويلاً ، في تحييد الدين عن مفهوم الدولة الحديثة ، واختار نمطاً مدنياً للحكـــــم ، وصــــار ثقافة متًجذرة يُصعب اختراقها ، من جانب حركات مبعثرة هنا أو هناك ،فلقد تطور مفهوم الدولة كثيراً منذ مجيء الإسلام ، وأصبح العالم يبني الدول على أسسٍ ومفاهيم مختلفة منها المؤسسية والحياة البرلمانية والحزبية ، وأصبحت الـــــدول الديموقراطية تقوم على أساس أن القانون يعلو على أي اعتبار أو اعتبارات أخرى . ومن هنا ظهر مبدأ ومفهوم سيادة القانون وسلطة القانون ، والسلطة التشريعية وفصل السلطات والأمة مصدر السلطات .

هذه أسئلة لا تعاند مفهوم الدولة في الإسلام ، لكنها مطروحة للنقاش ، في زمن نحن أحوج ما نكون فيه ، إلى استلهام روح الإسلام ، في مقاربة الحوار الموضوعي الراشد ، الذي ينبذ رفض أو إقصاء الآخر ، وهو حوار لو تم إتباعه ، لما شهدنا أبداً تلك الخلافات والصراعات الحادةٌ ، بين النخب والجماعات ، الساعية إلى إقامة الدول على أسس منهجية إسلامية ، ولا بينها وبين الحركات السياسية الأخرى ، أو بينها وبين النظم السياسية الحاكمة .

وإذا ما كان بعض المسلمون ، متفرقون مختلفون ، لا بل ويتقاتلون كمذاهب وطوائف وشيع ، فكيف بمقدور حركة هنا أو هناك ، أن تجمع هذا الشتات على أمر واحدة ، قبل أن تفكر في إقناع العالم الآخر ، بجدوى التعاون مع نظام حكمٍ إسلاميِ الطابع ، في هذا الركن او ذاك من العالم !!

حضرات الكرام ،

لا يخفى على أحد منكم ، تلك المحاولات الخبيثة التي تعمل على تأجيج الصراع العلني والخفي ، بين المسلمين السنُة ، والمسلمين الشيعة ، وهو صراع يجد من ينميه ويطور أدواتـــــــه ، إلى الحد الذي يجعل منه صراع مواجهة ، وفي إقليمنا بالذات ، وهو صراع يُلبس لبوس الدين للقومية في جانب ، ولبوس القومية للدين في جانب آخر ، ليجعل القاسم المشترك لكل هذا ، صراعاً على من سيُحكم ، وفي هذا نفي قاطع لمنهجية التباكي على الدين !

إن ما يشهده العالم اليوم من بؤر صراع وتوتر ، هو في حقيقة الأمر صدام حضارات وثقافات ، وسلاحه الخفي هو الدين ، ولو عمقنا النظرة في فلسفة الحكم في إسرائيل مثلاً ، وهي الدولة التي سوقت نفسها ولا تزال ، باعتبارها الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة ( وهو إدعاء باطل ) ، لوجدنا أن نهج الحكم فيها يقوم على ثلاثة محاور رئيسية :

الأول : الوصول إلى مرحلة يهودية الدولة ، أي أن تصبح إسرائيل دولة لليهود دون سواهم من أتباع الديانات الآخرى ، وهنا ومن باب التذكير أود أن أشير إلى وعد بلفور المشؤوم ، تحدث في حينه ، عن إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، وهنا نتساءل ... هل اليهودية قومية أم دين !!

إسرائيل تعتبر الدين هوية سياسية لها .

والثاني : طمس وإلغاء الهوية العربية والإسلامية في فلسطين ، والمقدسات الإسلامية والمسيحية .

والثالث : ألإيحاء بالتقارب بين المسيحية والتوراة القديمة ، في محاولة خبيثة وخطيرة لإستقطاب المسيحيين (الجدد) والتوراة القديمة لعزل الإسلام والمسلمين ، وإحداث التباعد بين المسلم والمسيحي العربيين .

يحدث كل هذا ، ونحن المسلمين في صراع دائم ، يكفر بعضنا بعضاً ، ويتكاثر الإوصياء على الدين ، ويتكاثر الصدام والخلاف ، في وقت تغيب فيه المرجعية الدينية الحقيقـــــة ، القادرة علـــى ضبط الأمور ، وتقديم الإسلام للعالم ، كما هو ، وعلى حقيقته ، وبصورة تضمن للمسلمين كرامتهم ، وقوتهم ، وتمكنهم من فرض وجودهم الأزهر وإرادتهم ، في عالم لا مكان ولا حضور فيه ، إلا للأقويــــــاء .وببساطة وحسن نية ، في أن لا وصاية على الدين لأحد دون الآخر ، وأن الإسلام دين الوسطية والاعتدال وهو رحمة للناس كافة ، وأن انتشاره الكبير وبالذات خارج حدود العرب ، جاء بالقدوة الحسنة ، والنموذج الأميز ، وهو ما نحتاجه اليوم بالتأكيد ، كبديل حكيم للصراع الداخلي في ما بيننا ، والخارجـــــي مع العالم الآخر ، الذي يتعمد إلصاق تهمة العنف والإرهاب بالاسلام ، بعضه عن جهل ، وبعضه الآخر عن دهاء ، مستفيداَ من كثير مـــن ممارسات بعض الحركات الإسلامية ، التي تقدم سلاحاً معنوياً وثقافياً للآخرين ، لمعاداة الإسلام والمسلمين ووضعهم بما ليس فيهم .

بصدقٍ وإخلاص ، أدعو الحركات الإسلامية الراشدة ـ إلى مراجعة المنهج والنهج معاً ، وصولاً إلى القناعة بأن تسويق الرأي وبنجاح ، يحتاج بالضرورة إلى ثقة الآخر ، وطمأنينة الآخر ، وقناعة ذلك الآخر ، سواء الآخر بين صفوفنا ، أو حتى خارج تلك الصفوف ، مع حتمية الكف عن الروح الاتهامية والتشاؤمية ، التي لا تترك أية فرصة لاستقطاب الآخر ، مثلما تنمي روح العداء والكراهية والخوف ، وليس ذلك من شأن الإسلام أبداً ، ولنا في رسولنا الكريم صلوات الله وسلامة عليه ، وسيرته العطرة ، خير قدوة على هذا الصعيد . وانا على يقين ، من أن عقوداً طويلة مضت ، كان يمكن أن تثمر أفضل ، ولصالح العرب والمسلمين كافة ، لو أنها أستثمرت وفق منهج القدوة الحسنة ، والدعـــــوة بالحسنى ، وليس بعيد عنا مقولة " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تقم لك على الارض .

أتمنى وأدعو إلى إدارة الخلاف ومعالجته بالابتعاد عن الاساليب الغرائزية والسادية ، وتفليب لغة الحوار على بنود الخلاف لأنه لا سبيل إلا منطق الحوار المفتوح الجوانب .

أشكركم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .