كلمة الأستاذ جواد الحمد

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب الدولة والمعالي والسعادة والعطوفة، الاساتذة والاخوة والاخوات والزملاء الكرام

يسعدني في هذا الصباح ان احييكم وارحب بكم في هذا المؤتمر العلمي الاكاديمي المتميز والذي ينظمه مركز دراسات الشرق الاوسط في الاردن لبحث ودراسة حركات الاسلام السياسي والتحديات والافاق التي تواجهها في الوطن العربي ، وارحب بشكل خاص بضيوف الاردن الاخوة العرب من 13 بلد عربي، فالاردن يمثل دوما ملتقى اجتماع العرب والتئام شملهم، وهو اليوم يحتضن هذه الثلة من الخبراء والقيادات والسياسيين والباحثين في شئون حركات الاسلام السياسي في الوطن العربي ليأمل ان كون له اسهام في اعادة بناء مشروع الامة الحضاري النهضوي العربي والاسلامي بما يؤهلها لتكون منافسا حقيقيا للامم المتقدمة في مضمار التنافس الحضاري .

الاخوة والاخوات،،

لقد خططنا لهذا المؤتمر منذ ثلاث سنوات اي في عام 2010 وقبل اندلاع الثورات العربية باكثر من ثلاثة شهور، وكانت اخر الجلسات التحضيرية للخبراء قد عقدت في عمان يوم 21 يناير 2011 ، اي قبل الثورة المصرية بثلاثة ايام ، وكان مقررا انعقاد المؤتمر في نوفمبر/ تشرين ثاني 2011، لكن تطورات الاوضاع السياسية في البلاد العربية شجعتنا على تاخيره الى العام التالي ومن ثم الى العام الذي يليه، ولكننا في شهر اذار/ مارس الماضي 2013 قررنا الشروع بالاعداد لتنفيذه بغض النظر عن الظروف في ظل ظروف متغيرة واوضاع متقلبة ومتحولة باستمرار بعد الثورات العربية، وتم تكليف الباحثين لاعداد اوراقهم البحثية ليعقد المؤتمر في هذا اليوم ، ولذلك فموعد انعقاده لم يرتبط بالمتغيرات التي حدثت في مصر او تونس بعد شهر يوليو 2013، لكن هذه الاحداث وتداعياتها الكبيرة على الربيع العربي وعلى مستقبل المسار الديمقراطي العربي اعطت المؤتمر ميزة اضافية ووفرت له اهمية نوعية ومتميزة وجعلت لحظة انعقاده نقطة انطلاق فكري وسياسي جديدة للبحث عن مسارات التحول الديمقراطي المستقرة في البلاد العربية وخاصة ما بعد الثورات والاصلاحات.

السادة الزملاء والزميلات ،،،

لقد شكل تزايد نفوذ وقوة وتاثير تيارات الاسلام السياسي منذ العام 1990 في المنطقة العربية معلما اساسيا منها ومن بنيتها السياسية ، وتمكنت هذه التيارات والحركات من تحقيق حضور شعبي مؤثر على مختلف الصعد النقابية والطلابية والبرلمانية واحيانا في الحكومات ، بل ومكنها ان تنافس على الحكم في بعض هذه البلاد، وكان واضحا ان المؤشر المعياري لقياس تقدم هذه الحركات كان يعطي الاتجاه الايجابي لنفوذها دائما.

وبرغم الاحداث التي عصفت بالمنطقة وبالعالم منذ ذلك التاريخ غير ان صلابة الفكرة وعمق التنظيم والقدرة على كسب الجماهير جعل هذه الحركات عاملا اساسيا في انجاح الحراكات الاصلاحات والثورات العربية في الربيع العربي، وخضعت هذ الظاهرة للدراسة من الباحثين كما من خصوم التيار المحليين والاقليميين، وكانت توقعات المركز منذ اواسط عام 2000 ان المؤشرات العلمية تؤكد ان التحولات في المنطقة سوف تشهد تقدما كبيرا لهذا التيار في العالم العربي، وبرغم ما ساد من تخويفات وتحذيرات من هذا التيار من قبل الدوائر الصهيوينة الغربية والاتجاهات العلمانية وانظمة الحكم في العالم العربي.

غير ان الظروف والقدرات وتراجع نفوذ وقوة البرامج الاخرى شعبيا وفر لهذا التيار الفرصة السانحة بالفعل ليشكل المعلم الاهم في كثير من المحطات والمنعطفات السياسية في المنطقة، وفي ظل تطوره الذاتي باتجاه التعامل مع مفاهيم واليات الديمقراطية وتداول السلطة والتعددية وتقدم موقفه ازاء المراة ومشاركتها السياسية ، وفي ظل جهود عدد من الانظمة العربية لمواجهته بالحل الامني غير انه تمكن من اجتياز الحواجز والخطوط الحمراء التي حددت له في كثير من الاقطار وكثير من الاحيان، وبرغم الظواهر الجانبية على هامش هذا التيار والتي استخدمت العنف والتكفير والتطرف بما يعرف بجماعات العنف والمجموعات المتشددة واحيانا الارهابية، غير ان التيار الرئيسي في اتجاهات الحركة الاسلامية ظل يعمل ضمن ما يعرف بتيار الاسلام السياسي الذي يسعى للمشاركة السياسية والوصول الى الحكم شراكة او انفرادا ، ما اهله ليكون معلما مهما واساسيا في مرحلة ما بعد الربيع العربي.

الاخوة والاخوات،،،

ان دراسة موضوعة حركات الاسلام السياسي اليوم ربما كان من اهم الدراسات في جامعات العالم ازاء التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، والتي حظيت بعناوين عشرات الالالف من الدراسات والتحليلات، وبرغم القلق الذي ابدته بعض دوائر الحكم العربية والنخب السياسية الحاكمة وعدد من التيارت العلميانة غير ان الحالف او التقارب بين التيارين القومي والاسلامي والذي ساد مرحلة العقد الاخير من القرن العشرين 2000-2010 شكل بيئة مواتية للتعرف على التيار عن كثب ووفر فرصة للكثيرين لتفهم اطروحاته وتوجهاته ومواقفه بشكل اكثر علمية، وكان المفترض ان يستمر هذا الحال بعد ثورات الربيع العربي.

لكن تقدم تيار الاسلام السياسي لينجح في الانتخابات وخاصة الوصول الى سدة الحكم في دول عربية عديدة وعلى الاخص في مصر، وانتقال الثورة العربية الى كل من ليبيا التي استجلبت طائرات النيتو وسوريا التي اشكلت واقع محور المقاومة ، اوجد شرخا في الموقف المشترك القومي والاسلامي، وهو ما اسلم الى وضع مضطرب منذ اواسط هذا العام في كل من مصر وتونس ، مما شكل خطرا حقيقيا على مسار التحول الديمقراطي والاصلاح في هذه الدول وغيرها، وبالتالي على الاستقرار والامن العربي، واستغلت قوى الشد العكسي المناهضة للتحول الديمقراطي ولمسار واهداف الثورات العربية هذا الحال لمحاولة اضعاف تيار الاسلام السياسي في المنطقة لمصلحة راس المال وبقايا الانظمة السابقة، لكن البناء المتين والقوي الفكري والجماهيري لهذا التيار لا زال يمنع نجاح هذه التوجهات المناهضة له، ويفرض فلسفة وفكرة التحول الديمقراطي والانفتاح والتعددية على الجميع بما في ذلك طيف تيارات اسلامية تحاول ان تعود الى فكر العنف والتطرف فظل عمليات امنية صعبة تواجهها عمليات الديمقراطية .

السادة الضيوف ،،،

لقد تسبب غياب نظرية الشراكة الوطنية في عجز الحكومات العربية لاكثر من ستة عقود بعد الاستقلال عن بناء الجماعة الوطنية في كل قطر،حيث يكون المجتمع بكليته يواجه التحديات الداخلية والخارجية المشتركة موحدا رغم اختلافاته الفكرية والسياسية، كما عجزت الحركات السياسية القومية منها والاسلامية واليسارية والليببرالية عن تقديم نموذج قابل للتطبيق في هذا المجال، ولما وصلت الى الحكم لم تكن تملك هذه الخبرة والتجربة، الامر الذي اوجد فجوات اساسية بين القوى السياسية والمجتمعية وافرز لاحقا تيارات متخاصمة اكثر منها متنافسة، بل ان اللجوء الى العنف من قبل اطارف جماعات اسلامية هامشية خارج تيار الاسلام السياسي، ولجوء اجهرز الامن الرسمية الى القمع شكل مشهدا دخانيا اضعف وضوح مسار التحول الديمقراطي والنهضة العربية ، وشوش على التيارات الشبابية التي بنت الامال على دور مستقبلي رائد لها في ظل عمليات التحول الكبرى التي اصابت المنطقة بعد الثورات.

لقد حذرنا مبكرا من الذهاب الى زوايا المواقف السياسية للاطراف المخلتفة، واكدت ندوة المركز عام 2012 حول الاسلاميين والحكم، وحلقاته حول العمل المشترك بين التيارين الاسلامي والقومي لبناء الدولة العربية الحديثة الديمقراطية ، على ضرورة تقديم الضمانات والتطمينات لمختلف القوى الاجتماعية والسياسية من قبل الاسلاميين، خاصة وان قوى صهيونية ودولية لم يرُق لها هذا التحول بتياراته الوطنية والقومية والاسلامية المستقلة، فكانت تبحث عن قوى محلية تتبنى مشروع عدم الاستقرار والتقدم نحو الاستقلال والحرية والديمقراطية والتنمية الاقتصادية، ولذلك لم تتمكن بعد دول الثورات والاصلاحات من الوصول الى نقطة اولية نحو الاستقرار في ظل هذا الصراع الخفي احيانا والمعلن في اخرى .

كما شكلت هذه الظروف مصدرا لتساؤلات كبيرة حول واقع حركات الاسالم السياسي ومستقبلها بوصفها الاقوى من بين القوى السياسية العربية ما بعد الثورات، وكذلك ازاء عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي ودور تيار الاسلام السياسي فيها . وهو ما يبحثه مؤتمركم هذا اليوم .

ولذلك فقد هدف انعقاد المؤتمر الى البحث والدراسة في حركات الاسلام السياسي بعلمية وموضوعية ، ومناقشة تجاربها وتقييمها ، وبحث التحديات التي تواجهها، ومن ثم تناول رؤاها الخاصة للمستقبل ومدى قدرتها على تطبيقها، والبحث بالتالي في مستقبل هذه الحركات في المنطقة، وهل يمكن ان تنجح هي الى جانب القوى الاخرى ببناء نظريات الشراكة الوطنية ،وتقديم نموذج مشروع عربي اسلامي نهضوي ، ونموذج في تجسير العلاقة بين هذه القوى وبين الحكومات العربية من جهة، وبينها وبين القوى المجتمعية والسياسية الاخرى من جهة ثانية.

الاخوة والاخوات ،،،

لقد تم تصميم المؤتمر ليشارك فيه الاسلاميون بثلثي الباحثين وثلث من غيرهم، فيما يشارك السادة المناقشون مناصفة مع القوى والاتجاهات الاخرى ، وهو ما عسكه برنامج المؤتمر الاولي، وذلك لمتطلبات البحث العلمي الموضوعية ، حيث ان مجال البحث الاساسي هو تقديم المعلومات والتوصل الى استنتاجات تتعلق برؤية نقدية للتجارب ومن ثم التوصل الى افاق المستقبل ومحدداته ، ويعمل المؤتمر على التوصل الى رؤية استراتيجية مستقبلية لتطوير اداء تيارات الاسلام السياسي مع القوى العربية الاخرى وبتفاعل حقيقي متكامل مع المحيط الاقليمي والدولي . خاصة وان تيار الاسلام السياسي بكل اشكاله اليوم اصبح جزءا اساسيا من المشهد العربي وهو جزء حقيقي ومستمر في المستقبل كما كان في الماضي .

السادة والسيدات ،،،

اشكر لكم حضوركم ومشاركتكم في هذا المؤتمر، وارجو ان نتمكن معا من انجاح جلساته وفعالياته المختلفة ، خاصة وان تصميم البرنامج حرص على بحث المسائل ذات الصلة بعمق وبشكل مباشر بعيدا عن العموميات، واشكر بين يدي هذه الكلمة وسائل الاعلام الاردنية منها والعربية على جهدها في تغطية فعاليات المؤتمر متمنيا لها التوفيق في دقة النقل وموضوعيته لقرائها ومشاهديها، كما اشكر كل الجهات التي سهلت انعقاد المؤتمر ، واشكر كذلك الشركات والافراد والمؤسسات والهيئات الاردنية التي قدمت الدعم والرعاية المالية لهذا المؤتمر ، واشكر الاخوة اعضاء اللجنة التحضيرية وطاقم المركز والمتعاونين معه، والخبراء اعضاء اللجنة العلمية الذين سهروا وتعبوا ساعات واياما على الاعداد لهذا المؤتمر وتوفير عوامل نجاحه، وتوفير الراحة والخدمة اللازمة للمشاركين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته